مدونة المؤرخ الناجح: تاريخ الإسلام في المغرب

السبت، 23 يونيو 2012

تاريخ الإسلام في المغرب


تاريخ الإسلام في المغرب


المقصود بالمغرب هي المناطق التي تمتد من الحدود الغربية لمصر، وحتى شواطئ المحيط الأطلسي، سكنها
وسيطر عليها البيزنطيون، وقد احتل الرومان المغرب، ثم جاء الإسلام وتم الفتح في عصر عمر بن الخطاب ومَنْ بعده، وكان لفتنة عثمان بن عفان أثر في مواصلة الفتح، فبعد فتح مصر وليبيا، تم إنشاء مدن منها مدينة تونس ودار صناعة السفن بها، ومدينة القيروان، ثم ظهر عصر الولاة عصر التقلبات السياسية، ثم ظهرت الدول المحلية كالأغالبة والأدارسة والعُبيديين، وقد انتشر المذهب المالكي في المغرب الإسلامي.
ولم يستقر أمر ولاة إفريقية في عصر بني أمية فسيطر الخوارج الصفرية على المغرب الأقصى، وظهرت الإباضية في المغرب الأدنى والأوسط، وشهد العصر العباسي تقلص سلطة الخلافة على الولايات؛ وظهرت الفتنة الكبرى، فاستقلت الولايات الإفريقية وصارت دولاً مستقلة؛ مثل: دولة بني مدرار في سجلماسة، والدولة الرستمية في تاهرت، ودولة الأدارسة بالمغرب الأقصى، ودولة الأغالبة في تونس.
وظهر المرابطون في صحراء موريتانيا، وكان من مبادئهم إبقاء عقيدة الأمة نقية، وتوحيد المغرب، وحماية الأمة من المفسدين، وحفظ الشريعة، وإعداد الأمة إعدادًا جهاديًّا، وكان من حكامها يوسف بن تاشفين فاستنجد به أمراء الطوائف بالأندلس، فمنحهم الله النصر في موقعة الزَّلاَّقة، وبعد سنوات ضَمَّ الأندلس إليه للحفاظ على المسلمين هناك.
وبعد عهد يوسف بن تاشفين ضعف المرابطون، لانغماسهم في الملذات، وانحراف نظام الحكم عن نظام الشورى إلى الوراثي، والتعصب المذهبي، وحلول الجفاف بالأندلس والمغرب، وانتشار الأوبئة، وظهور الموحدين على يد محمد بن تومرت.
وعندما تولَّى أبو يوسف يعقوب الموحدي كان عهده العصر الذهبي لدولة الموحدين، ثم بدأ عصر الضعف من جرَّاء ظلمهم وسفكهم للدماء، وثورات الأعراب والأندلسيين عليهم، والنزاع على الخلافة بينهم، والانهيار العسكري، والانغماس في الشهوات، وتقلُّص الدولة في إفريقية والمغرب والأندلس، فقامت دولة الحفصيين في تونس، ودولة بني عبد الواد في تلمسان، وحُكْم بني مرين في المغرب الأقصى، واحتل البرتغاليون شواطئ المغرب، فظهر السعديون بقيادة القائم بأمر الله، فأنهى حكم بني وطاس، وانتصر على البرتغاليين، وكان العثمانيون يدعمون السعديين، فأوقعوا بينهما، فضم العثمانيون المغرب الأقصى إليهم، وازداد النفوذ اليهودي في الدولة العثمانية، ومع ضعف الدولة العثمانية برزت الأسرة القرمانية في ليبيا.
وكان الاحتلال البرتغالي لتعقب المسلمين وتطويق العالم الإسلامي واستعانوا في ذلك بالحبشة فظهرت الكشوف الجغرافية وتلاها الاستعمار الأوربي للقارة، فظهرت المقاومة الإسلامية في مواجهة الاحتلال حتى نالت استقلالها؛ كما في ليبيا بقيادة الشيخ أحمد السنوسي ومعه الشيخ عمر المختار، والجزائر بقيادة محيي الدين الحسني، والمغرب بقيادة الشيخ الهبة ابن الشيخ ماء العينيين، وغيرهم.

شمال إفريقيا والبربر
يرادف لفظ أو مصطلح "المغرب" اصطلاح "شمال إفريقيا"، والذي استعمله الجغرافيون والمؤرِّخون عند الحديث عن المناطق التي تمتد من الحدود الغربية لمصر، وحتى شواطئ المحيط الأطلسي.
وكانت بلاد المغرب الأدنى تضم برقة، وطرابلس وتمتد غربًا حتى بجاية أو تاهرت، وقاعدتها مدينة القيروان. أما بلاد المغرب الأوسط فتضم المنطقة الممتدة من تاهرت وحتى وادي ملوية وجبال تازة غربًا، وقاعدتها تلمسان وجزائر بني مزغنة. وأما المغرب الأقصى فيمتد من وادي ملوية وحتى مدينة أسفى على المحيط الأطلسي وجبال درن جنوبًا.
وكان المغرب موطنًا لصنفين من البشر، هما:
1- البربر: وهم أهل الإقليم.
2- البيزنطيون: وهم المحتلون للإقليم، وكان تركزهم في المناطق الساحلية أكثر من وجودهم داخل البلاد.
يجب أن نتعرَّف بدايةً على صفات الشخصية البربرية؛ لكي نستطيع تفسير ما جرى في أحداث الفتح من مقاومة شديدة من قِبَل البربر للإسلام، ثم اندفاعة البربر بعد إسلامهم نحو الفتوح بكل قوة.
فالبربر يصفهم ابن خلدون بأنهم مرهوبو الجانب، شديدو البأس، تخلقوا بالفضائل الإنسانية من خلق وعز وكرم.
ومفتاح شخصية هذا البربري هو تمسكه بحريته، يدافع عنها بإصرار، وتاريخه يُنبئ عن هذا، ومقاومته ضد الرومان والبيزنطيين نجحت أحيانًا في بعض المناطق، فتأسست على أساسها دويلات بربرية مستقلة، ولم يُثنِ البربر عن ثورتهم طوال فترة الثورة التضحياتُ بالروح والمال.



تاريخ المغرب قبل الإسلام وبعده


تشتمل قصة المغرب على عدة عصور؛ إذ كانت محتلة من قِبَل الرومان قبل الفتح الإسلامي، أما بعد ذلك فكان هناك عصر الفتح الإسلامي، والذي امتد من سنة 21هـ إلى سنة 98هـ، بينما بدأ عصر الولاة من 98هـ إلى ما بين 144- 184هـ حسب اختلاف الولايات، ثم عصر الدول المحلية كالأغالبة، والأدارسة، والعُبيديين (الذين انتسبوا زورًا للسيدة فاطمة رضي الله عنها، وسموا أنفسهم الفاطميين)، ثم دولة المرابطين، فالموحدين، والدولة الحفصية، والرُّستمية، والمرينية وغيرها، حتى وقعت الدول المغربية تحت الاحتلال الأجنبي في القرن التاسع عشر.
يُعتَبر عصر الفتح عصر جهاد دائم ومستمر، واجه فيه المسلمون انتفاضات البربر المستمرة بزعامة الكاهنة، كما واجهوا الروم، وانتصروا عليهم، حتى استقر الأمر للمسلمين، وقد تمَّ فتح المغرب - منذ بدايته حتى استقرار الإسلام به - خلال فترة حُكم عدد من الخلفاء، هم:
1 ـ عمر بن الخطاب.
2 ـ عثمان بن عفان.
3 ـ علي بن أبي طالب.
4 ـ معاوية بن أبي سفيان.
5 ـ عبد الملك بن مروان.
6 ـ الوليد بن عبد الملك.

وكان القادة الكبار الذين تولوا تبعاته، هم:
أولاً: قادة فتح ليبيا:
1 ـ عمرو بن العاص.
2 ـ عبد الله بن سعد بن أبي السرح.
3 ـ معاوية بن حديج.
4 ـ بسر بن أبي أرطاة العامري.
5 ـ عبد الله بن الزبير بن العوام.
ثانيًا: قادة فتح تونس:
1 ـ عبد الملك بن مروان.
2 ـ رويفع بن ثابت الأنصاري.
ثالثًا: قادة فتح الجزائر: 
1 ـ أبو المهاجر دينار.
2 ـ عقبة بن نافع الفهري.
3 ـ زهير بن قيس البلوي.
4 ـ حسان بن النعمان الغساني.
رابعًا: قادة فتح المغرب: 
1 ـ عقبة بن نافع الفهري.
2 ـ حسان بن النعمان الغساني.
3 ـ موسى بن نصير اللخمي.

وكان عصر الولاة عصر تقلبات سياسية، وانتفاضات بربرية، ثم أتى عصر الدول المحلية التي انفصلت عن الخلافة العباسية، وكان منها دول شيعية، وأخرى خارجية، وثالثة سُنية.

تطلع أهل ليبيا للخلاص الإسلامي

نبدأ قصة المغرب من عصر الفتوح؛ إذ سبق الفتح الإسلامي للمغرب إرهاصات وأحداث وقضايا سياسية، ونزاعات عرقية وثورات محلية في مدينتي برقة وطرابلس، كان لها أثر بالغ في تغيير مجريات الأحداث السياسية والدينية في المنطقة، وتهيئة نفوس أهالي ليبيا لقبول الإسلام؛ حيث إنهم كانت قد بلغتهم أخبار فتح المسلمين لبلاد الشام ومصر، فتطلعوا إلى الخلاص على أيدي المسلمين من أولئك البيزنطيين وحكمهم الجائر التعسفي.
لذلك حاول نفر من أهالي ليبيا التمرد على نظام الإمبراطورية البيزنطية والخروج إلى ناحية مصر، حتى يلتقوا بقائد الجيوش المسلمة عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكان يومئذٍ حاكم مصر، وما أن وصل هؤلاء النفر حتى أعلنوا إسلامهم ودخلوا في دين الله سبحانه، وأعطوا ولاءهم لقيادة المسلمين بقيادة عمرو بن العاص، نيابة عن خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ولما كان الحال في المغرب كذلك، فقد قرَّر عمرو بن العاص رضي الله عنه أن يضع إستراتيجية أمنية وقائية لمصر من الناحية الغربية؛ حتى يأمن شرَّ الروم القاطنين ناحية برقة وطرابلس، بعد أن أمن فتوحاته الشامية، وذلك بفتحه الإسكندرية.
كما قرَّر عمرو بن العاص رضي الله عنه إرسال عقبة بن نافع الفهري رضي الله عنه في سنة 22 هـ/ 642م - على الأرجح بعد استئذان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه - كمقدمة استطلاعية لفتح المغرب، فافتتح عقبة زويلة صلحًا.
وفي نفس العام سار عمرو بن العاص بنفسه من مصر حتى بلغ برقة، وكانت تنزلها بعض بطون من قبائل لتوانة وزواغة، وكانت هذه القبائل ساخطة على البيزنطيين لما كانوا عليه من الظلم والعسف وجباية الضرائب منهم، فصالحوا المسلمين على الجزية، وكان أهلها يرسلون ما عليهم من الأموال إلى والي مصر من غير أن يأتيهم حاث أو مستحث.
وفي نفس السنة (22 هـ/ 642م) وصل عمرو بن العاص إلى مدينة أجدابية فافتتحها صلحًا على أن يدفع أهلها خمسة آلاف دينار، ولكن ما لبثوا على دفع الجزية إلا قليلاً، حتى أسلم معظم أهلها بعد أن رأوا من الفاتحين من العدالة والمساواة والصدق والأمانة والطهارة والعفة ما لم يروه من قبل في جيوش تلك الإمبراطوريات الهالكة.

بعد وفاة عمر رضي الله عنه تولى عثمان رضي الله عنه، وكان من أهم أعماله أنه عمل على توطيد نفوذ المسلمين في كثير من البلاد التي تمَّ فتحها من قبل، كما نجح ولاته في ضم مناطق جديدة إلى حوزة الدولة الإسلامية.
وحين تولى عثمان بن عفان رضي الله عنه خلافة المسلمين عزل عمرو بن العاص عن ولاية مصر سنة (26 هـ/ 646م) وعقدها لعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وطلب عبد الله بن سعد بن أبي سرح الإذن من عثمان رضي الله عنه لاستكمال الفتوح في إفريقيا.

الفتنة تؤخر الفتوح الإفريقية

كان لا بد أن تؤثر فتنة عثمان رضي الله عنه وما تلاها من أحداث في نشاط الفتوح الإسلامية؛ إذ لم يكن من الميسور للقادة والجند أن يستمروا فيما كانوا آخذين فيه من فتوح بعد أن شبت نيران هذه الفتنة، ولا شك أن الأمداد قد انقطعت عنهم، وتوقعوا أن تحول حروب الداخل دون إرسال الجند إلى الأطراف فتركوا ما بأيديهم، ولبث بعضهم حيث هو ينتظر نتيجة الصراع المحتدم، وعاد البعض الآخر إلى الحجاز والشام ليسهم في هذه الأحداث. لقد شغل المسلمون عن إفريقية والفتوح عامة بسبب فتنة عثمان رضي الله عنه ، ثم الحرب بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، ولم يتجدد نشاط الفتوح مرة أخرى إلا بعد استقرار الأمر لمعاوية سنة 41 هـ/ 661م.
نشطت حركة الفتوح خلال عصر الدولة الأموية، وبدأ المسلمون يمارسون دورهم الحضاري في النهضة بأمر البربر، مع ترسيخ الوجود الإسلامي في المغرب، وقد كان من مظاهر ذلك:
1- إنشاء المدن والعناية بها:
بناء تونس:
اختط هذه المدينة القائد حسان بن النعمان الغساني عام 82هـ؛ لتكون قاعدة عسكرية بحرية، ولتحول دون تكرار البيزنطيين الهجوم على قرطاجة عام 78هـ. بنى حسان بن النعمان مدينة تونس على أنقاض قرية قديمة عرفت باسم ترشيش القديمة، وإنما سميت تونس في أيام الإسلام لوجود صومعة الراهب، وكانت سرايا المسلمين تنزل بإزاء صومعته، وتأنس لصوت الراهب، فيقولون: هذه الصومعة تؤنس؛ فلزمها هذا الاسم فسميت باسم تونس. واختط حسان تونس غربي البحر المتوسط بنحو عشرة أميال، فقام بحفر قناة تصل المدينة بالبحر لتكون ميناء بحريًّا ومركزًا للأسطول الإسلامي بعد أن أنشأ فيها صناعة المراكب، بخبراء في هذه الصناعة زوده بها والي مصر عبد العزيز بن مروان بناءً على توجيه الخليفة عبد الملك. وقد بنيت مدينة تونس طبقًا لأهداف سياسية إستراتيجية، وأهداف اقتصادية اجتماعية تبناها الخليفة عبد الملك.
أمّا الأهداف السياسية البعيدة المدى، فيتضح ذلك بوضع حد لاعتداءات الروم والمتمثلة بإغارتهم على الساحل الإفريقي، والسبيل الأمثل هو إيجاد قاعدة بحرية، وصناعة بحرية قادرة على إنشاء أسطوله مهمته صد العدوان الرومي بادئ الأمر، ثم الانتقال من مرحلة التصدي إلى الغزو والفتح فيما بعد، وقد تمثل تطبيق هذه المرحلة من قبل الخليفة عبد الملك فقام بالإيعاز لشقيقه والي مصر عبد العزيز بن مروان، لإرسال ألفي قبطي من مهرة الصناع لإقامة صناعة مراكب بحرية، وقام هؤلاء بالمهمة الموكلة إليهم خير قيام.
وأما الهدف الثاني: فيتمثل بإيجاد حياة اجتماعية بإيجاد المؤسسات القادرة على خدمة الأفراد، فأقام في المدينة المسجد الجامع، ودار الإمارة، وثكنات للجند للمرابطة، وأخذ يقوم بتدوين الدواوين، وتنظيم الخراج والعناية بالدعوة الإسلامية بين البربر، فقام بإرسال الفقهاء ليعلموهم اللغة العربية والدين الإسلامي، وصارت المدينة معسكرًا حربيًّا في البداية، ومركز استيطان وإدارة لدعم الفتوحات، وأخيرًا مركزًا حضاريًّا ومركز إشعاع فكري وعلمي وثقافي.
وهكذا رسخ الخليفة عبد الملك بن مروان أقدام الدولة الأموية بتأسيس مدينة تونس، وقطع دابر الغارات اليبزنطية بإيجاد مدينة إسلامية مرتبطة بالأهداف العليا للدولة.





القيروان مركز الحضارة الإسلامية بالمغرب

لم تبدأ الحياة العلمية المركَّزة إلا بعد تأسيس القيروان سنة 50هـ، فسرعان ما أصبحت القيروان مركز الحضارة الإسلامية بالمغرب وعاصمته العلمية، منها انطلق الدعاة وإليها رحل طلاب العلم من الآفاق. ولا شك أن الصحابة الذين كانوا في جيش عقبة قد جلسوا للتدريس فيه على النمط الموجود في مدن المشرق آنذاك، فقد كان مع عقبة أثناء تأسيس القيروان ثمانية عشر صحابيًّا، وقد مكثوا فيها خمس سنوات كاملة كان عملهم فيها - ولا شك - نشر اللغة العربية، وتعليم القرآن والسنة في جامع القيروان، وذلك أثناء بناء مدينة القيروان، حيث لم تكن هناك غزوات كبيرة تتطلب غيابًا طويلاً عن القيروان، أمّا في غزوة عقبة الثانية فقد كان معه خمسة وعشرون صحابيًّا، وسائر جيشه من التابعين.
ولقد استقطبت القيروان أعدادًا هائلة من البربر المسلمين الذين جاءوا لتعلم الدين الجديد، قال ابن خلدون عند حديثه عن عقبة: "فدخل إفريقية وانضاف إليه مسلمة البربر، فكبُرَ جمعُه، ودخل أكثر البربر في الإسلام ورسخ الدين، ولا شك أن الفاتحين قد خصصوا لهم من يقوم بهذه المهمة".
ومن القيروان انتشر الإسلام في سائر بلاد المغرب، فقد بنى عقبة بالمغربين الأقصى والأوسط عدة مساجد لنشر الإسلام بين البربر، كما ترك صاحبه شاكرًا في بعض مدن المغرب الأوسط لتعليم البربر الإسلام، ولما جاء أبو المهاجر دينار لولاية إفريقية تألَّف كُسيلة وقومه وأحسن إلى البربر، فدخلوا في دين الله أفواجًا ودعّم حسان بن النعمان - فيما بعد - جهود عقبة في نشر الإسلام بين البربر حيث خصّص ثلاثة عشر فقيهًا من التابعين لتعليم البربر العربية والفقه ومبادئ الإسلام، وواصل موسى بن نُصير هذه المهمة حيث: أمر العرب أن يعلّموا البربر القرآن، وأن يفقّهوهم في الدِّين، وترك في المغرب الأقصى سبعة وعشرين فقيهًا لتعليم أهله.






2ـ إنشاء دار صناعة السفن بتونس:
عزَّزت الدولة الأموية القوة العسكرية بإنشاء سلاح البحرية، وأقامت دارًا لصناعة السفن في تونس، وزودت هذه الدار بما يلزمها من المواد والصناع
3- التوسع في الصناعات الحربية:
توسعت هذه الصناعة في عهد عبد الملك بن مروان وفتح دارًا بتونس لصناعة السفن الحربية، وكانت نواة تلك الدار ألف عامل متخصص في صناعة السفن تم نقلهم من دار الصناعة - المنطقة الصناعية - بمصر، وقد تم وضع التنظيم اللازم وطريقة إمداد تلك الدار بالأخشاب من الغابات الإفريقية الداخلية، واختيار جماعات من البربر من سكان تلك المناطق للقيام بتلك المهمة، حيث هم أخبر الناس بمناطق وجود الأخشاب الجيدة الملائمة لتلك الصناعة.وفي إرسال دار الصناعة بمصر لألف عامل ليكونوا نواة التصنيع بتونس، ما يدل على مدى تطور تلك الصناعة بمصر وكبر حجمها. وفي تطور لاحق لصناعة السفن الحربية بتونس، قام والي تونس بتوسيع دار الصناعة بها؛ فشق قناة بين الميناء وبين المدينة بطول اثني عشر ميلاً، وشكلت هذه القناة ما يماثل اليوم أحواض بناء السفن أو الأحواض الجافة، وأصبحت مناطق دور صناعة السفن الحربية مناطق جذب سكاني.



عصر الولاة 
عرف المغرب بداية عصر الولاة بدءًا من عام 98هـ، والذي كان عصر قلاقل واضطرابات، وقد بدأت تلك الاضطرابات بعدما اختار سليمان بن عبد الملك يزيد بن أبي مسلم واليًا على إفريقية، وكان شديدًا كالحجّاج، وأراد أن يسير فيهم سيرة الحجّاج في أهل العراق؛ فكانت النتيجة أن قتلوه، ومن بعدها لم يستقر أمر ولاة إفريقية في عصر بني أمية، وشهد المغرب الفتنة المغربية الكبرى التي تضخمت في العصر العباسي، حتى وصلت إلى استقلال الولايات الإفريقية، وإقامة دول مستقلة فيها.
لقد سيطر الخوارج على المغرب في أواخر عهد الدولة الأموية، وسار إليهم محمد بن الأشعث فدخل إفريقية وفيها عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري يقاتل الخوارج.
فقد برزت الخوارج الصفرية في المغرب الأقصى وسيطرت عليه، وظهرت الإباضية في المغرب الأدنى والأوسط، وأخضعت أجزاءً واسعة لنفوذها، وكان عبد الرحمن بن حبيب يقاتل الخوارج عندما قامت الدولة العباسية.
وفي عام 155هـ جاء يزيد بن أبي حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة واليًا على إفريقية فانتصر على الخوارج الإباضية والصفرية، واستطاع أن يفرض نفوذ العباسيين في المغرب قبل نهاية حكم المنصور، وبقي يزيد بن حاتم في المغرب حتى عام 170هـ.
ثم سادت الاضطرابات في إفريقية اعتبارًا من عام 171 هـ/ 787م بفعل خروج الخوارج وقادة الجند والبربر؛ فأرسل الرشيد هرثمة بن أعين واليًا على إفريقية، وأمره بقمع الانتفاضات وتوطيد الأمن، فنجح في مهمته ودخل القيروان وأمَّن الناس.
ويبدو أن الخلافات بين الفئات الإسلامية المتعددة كانت واسعة فتجددت القلاقل، ولم يتمكن هرثمة من رأب الصدع، فعزله الخليفة بناءً على طلبه في عام 180 هـ/ 796م، كما لم يتمكن الولاة الذين جاءوا من بعده من السيطرة على الموقف، فاستغل إبراهيم بن الأغلب عامل إقليم الزاب (في الجزائر اليوم) هذه الأوضاع القلقة، وطلب من الخليفة توليته على إفريقية ووعده بتهدئة الوضع، استجاب الخليفة لطلبه، وعهد إليه بالولاية على إفريقية في عام 184 هـ/ 800 م، ونجح إبراهيم في تحقيق الاستقرار متبعًا في ذلك سياسة معتدلة، وازدهرت إفريقية في عهده وشهدت حركة عمرانية واسعة ونشاطًا اقتصاديًّا كبيرًا، وقد مهَّد إبراهيم بهذا لقيام دولة الأغالبة التي ما لبثت أن استقلت عن الإدارة المركزية في بغداد، واتخذت القيروان حاضرة لها.
لقد شهد العصر العباسي تقلص سلطة الخلافة عن الولايات؛ مما مهَّد السبيل لكل ناقم على الدولة، أو مخالف لها لأن يقيم دولته الوراثية الخاصة في أطراف الخلافة، وقد كان من هؤلاء إبرهيم بن الأغلب الذي أقام دولة الأغالبة، ولكن بموافقة الخلافة العباسية. وهذه نماذج لبعض الدول المحلية:
دولة بني مدرار في سجلماسة (140 ـ 349هـ/ 757 ـ 960م):

توفي أبو القاسم سمكو مؤسس دولة الخوارج الصفرية في سجلماسة (جنوب المغرب) عام 168هـ، وخلفه ابنه إلياس بن أبي القاسم والذي عرف باسم "أبو الوزير"، واستمرت أيامه حتى عام 174هـ، وخلفه أخوه اليسع بن أبي القاسم، وبقي في حكم هذه الدولة حتى عام 208هـ، وقد عرف باسم "أبو المنصور"، وقد ثارت الإباضية في أيامه في وادي درعة، ولكنه قضى على ثورتهم وبطش بهم.
وكما هادن الإباضيون ولاة العباسيين في القيروان، كذلك هادنهم الصفرية الذين اتجهوا نحو أوضاعهم الداخلية والاقتصادية حيث كانوا تجارًا بين الشمال والجنوب عبر الصحراء، وكذلك فقد جعلوا الحكم وراثيًّا كالإباضيين.
كانت الصفرية والإباضية من أكثر المذاهب الخارجية المنتشرة بالمغرب، وإنهما من أكثر مذاهب الخوارج تسامحًا واعتدالاً مع مخالفيهم في الرأي، إذا ما قورنوا بفرق الأزارقة والحرورية في المشرق؛ لأن الصفرية والإباضية لم ترضيا إباحة دماء المسلمين، أو جواز سبي النساء والذرية، ولا يريان قتال أحد من الناس سوى جيش السلطان، فلم يكفروا القاعدين عن القتال، ولم يُسقطوا الرجم، ولم يحكموا بقتل أطفال المشركين وتكفيرهم وتخليدهم في النار، ومرتكب الكبيرة عندهم عاصٍ وليس كافرًا مشركًا.
الدولة الرستمية في تاهرت (144 ـ 296 هـ / 761 ـ 908 م):

قامت دولة للخوارج الإباضية في تاهرت (غرب الجزائر) إذ أسسوا هذه المدينة عام 161هـ، وأصبح عبد الرحمن بن رستم إمامًا لهذه الدولة، وقد هادن ولاة القيروان. وبعد وفاته عام 171هـ، خلفه ابنه عبد الوهاب واستمر حكمه إلى ما بعد هارون الرشيد، وقد هادن ولاة إفريقية من قبل العباسيين، وقد لقي عبد الوهاب حركات ضده بسبب مخالفته للمذهب الإباضي الذي لا يقبل بالحكم الوراثي، وإنما يكون الرأي في اختيار الحاكم لأهل الحل والعقد، أما عبد الوهاب فقد تسلم الحكم من أبيه رغم وجود من هو أفضل منه وأكثر علمًا؛ لذا فقد قامت حركة قادها يزيد بن فندين وعرفت بالنُكّار، أي الذين ينكرون تصرف ولي الأمر بالحكم.
وعقيدة الإباضية تتفق مع أهل السنة في الكثير، وتختلف في القليل، فهم يعترفون بالقرآن والحديث كمصدر للعلوم الدينية، ويقولون بالرأي، ويأخذون بالإجماع.
ولعل أهم خلاف بينهم وبين السنة قولهم بالتنزيه المطلق؛ ولذلك فإنهم يقولون: إن رؤية الله منفية في الدنيا والآخرة. ويقولون أيضًا: إن الوعد والوعيد لا يتخلفان، بمعنى أن وعيد الله لا يتخلف، فمن دخل النار فهو خالد فيها، والمذنب تطهره التوبة، ولا يدخل السعيد النار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق